فكانوا عبثا على المسلمين، وموطن ضعف فيهم.. فلو انضم إلى هؤلاء أعداد أخرى من المتخلفين الذين ثبّطهم الله عن الجهاد- لما فى قلوبهم من نفاق- لزادوا المؤمنين خبالا واضطرابا.. إلى ما كان ينبض به جيشهم من نبضات الخبال والاضطراب.. ويشهد لهذا قوله تعالى بعد ذلك: «وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ» إذ يشير هذا إلى ما فى صفوف المسلمين من خلخلة ومن فروج وفجوات، يمكن أن يتحرك فيها المنافقون كيف يشاءون، يلقون فى أسماع المسلمين بكلمات السوء، للوقيعة بينهم، وتثبيط عزائمهم عن لقاء العدو..
وفى قوله تعالى: «وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ» إشارة إلى ما كان فى جيش المسلمين من أصحاب النفوس المريضة، والقلوب الفاسدة، حيث يعطون أسماعهم لقالة السوء، ويمنحونهم الثقة والاطمئنان، وحيث يصادف نفاقهم هوى عندهم.
وفى قوله سبحانه: «وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ» تهديد ووعيد لمن كان على نفاق ومكر بآيات الله.. حيث لا يخفى على الله ما تكنّ صدورهم من نفاق، وما تنعقد عليه نياتهم من سوء، وإنهم بهذا قد ظلموا أنفسهم، وأوردوها موارد الهالكين.
قوله تعالى: «لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ» .
إشارة إلى ماضى هؤلاء المنافقين، وأنهم لم يستقيموا على طريق الإسلام أبدا.. وأنهم فى كل موقف يتعرض فيه الإسلام لامتحان، كانوا حربا خفية عليه، إلى جانب الحرب الظاهرة التي يلقاه بها أعداؤه لقاء مباشرا.. فكانوا يضربون فى جبهة المسلمين بالفتنة، وتقليب الأحداث، وإثارة الدّفين من الثارات القديمة فى الجاهلية..