واللّجأ إلى الله إنما هو ممن يجىء بعدهم ويخلفهم من ذريتهم.. إذ أن هلاك الهالكين وإن كان عامّا شاملا، إلا أن هناك بقية باقية، من حواشى القوم، المنتشرين هنا وهناك بعيدا عن المجتمع، كما أن هناك أعدادا قليلة من المؤمنين، الذين نجاهم الله من هذا البلاء ... فهؤلاء وهؤلاء هم البقية الباقية من القوم، وهم الذين ينبت منهم وينمو، هذا الجيل الذي يخلفهم.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:
«ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ» .. أي أن الله سبحانه وتعالى قد رفع هذا البلاء الذي نزل بالسّلف، وجعل مكانه نعمة وعافية تلبس الخلف، ليكون فى نعمة الله عليهم، حجة بين يدى الرسول الذي يجيئهم ليدعوهم إلى الله، وليلفتهم إلى فضله عليهم كما قال هود لقومه، وهو يدعوهم إلى الله: «وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» وكما قال صالح لقومه: «وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ» ..
فهذه النعم التي يلبسها الخلف، بعد النقم التي حلّت بالسلف، هى حجّة بين يدى الرسول، يذكرّ بها قومه، ليذكروا ما كان لله عليهم من فضل، وأنه لم يأخذهم بما جنى آباؤهم..
وقوله تعالى: «حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ» إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى قد أمهل هذه البقية الباقية من القوم الهالكين- أمهلهم حتى «عفوا» أي نموا، وكثروا، ومسّتهم العافية.. فالعفو أصله من العافية، التي يتبعها النماء والزيادة، كما جاء في قوله تعالى: «وَيَسْئَلُونَكَ ماذا