الحقّ، وينتفعون بالخير الذي يساق إليهم.. أما من أعرض وتولى، فقد حرم حظّه من الحق والخير.. فما موقف هؤلاء المشركين مع هذا الكتاب المعين؟
قوله تعالى: «هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ» .. الاستفهام هنا إنكارى، ينكر على أهل الشرك والضلال توفّقهم فى الاستجابة لهذا الكتاب، والإيمان به، والعمل بما فيه.. فماذا ينظرون؟ أو ماذا ينتظرون؟ أينتظرون تأويل هذا الكتاب، ووقوع ما أخبر به من وعد ووعيد؟ إن تأويله- أي ما تؤول إليه أخباره- لا تكون إلا يوم القيامة.. فهل إذا جاء هذا اليوم، ووقع بهم الوعيد الذي أوعدهم الله به، أينفعهم إيمان أو يقبل منهم عمل؟ وكلّا.. فإن الله سبحانه وتعالى يقول: «يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً» (158: الأنعام) .. إنّهم فى هذا اليوم لا يملكون إلا أن يردّدوا الأمانىّ الباطلة: «فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ؟» .. وكلّا.. فلا شفعاء، ولا رجعة إلى الحياة مرة أخرى. لقد رفعت الأقلام، وجفت الصحف، وطوى الكتاب على ما عمل العاملون من خير أو شرّ.. وهؤلاء المشركون لم يسجّل لهم فى كتابهم إلا الشرّ، وإذن فهم: «قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ» .. لقد ذهبت مفترياتهم أدراج الرّياح، إذ كانت كلها من واردات الخيال والأوهام..