«أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ؟» انظروا كيف أورثهم الله جنات النعيم، وكيف ألقى بكم فى أفواه جهنم؟ «ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ» .
وخامسا: وفى كلب البلاء، وكظمة العذاب، يتلفت أصحاب النار إلى هؤلاء النظارة الذين يرشقونهم بسهام الاستهزاء والسخرية، ويفتحون عليهم هذه الأبواب المغلقة، من ذلك الماضي الأسود الذي كانوا فيه على طريق الشرك والضلال- وتحدثهم أنفسهم أن ينتقموا من هؤلاء الذين يهزءون بهم ويسخرون، وأن يجذبوهم إليهم ليكونوا معهم فى هذا البلاء، وليذوقوا ما يذوقون من عذاب السعير!! وما يكاد هذا الإحساس يجتمع فى كيانهم، ويتحول إلى رغبة متحركة تسعى إلى الغاية التي يريدونها، حتى يفجؤهم هذا الصوت السماوي المنطلق إلى هؤلاء النظارة، يحملهم فى سرعة خاطفة إلى الجنة، وقد فتحت لهم أبوابها، ومدت إليهم يد الرحمة من تلقائها، وإذا هم وقد أخلوا هذا المكان الذي كانوا فيه، وإذا هم فى جنات النعيم: «ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ» ..
وإذن فكل الناس فى الجنة، إلا هؤلاء الظلمة.. حتى هؤلاء النظارة الذين كانوا على مشارف جهنم.. قد نجوا من هذا العذاب، وصاروا إلى جنات النعيم..
أما هم فباقون فى هذه الوحشة القاتلة، ومع هذا اليأس المطبق، ومع هذا العذاب الأليم..
وهكذا تتغاير صور العذاب، وتتنوع وجوهه وأشكاله.. كلما تجرع منه الظالمون كأسا، وكادوا يستمرئون مرارتها، سقوا كأسا أخرى غيرها، أمرّ مرارة وأشنع طعما.. وهكذا يتقلبون فى العذاب، على حين كما يتقلب أهل الجنة فى ألوان النعيم..