قوله تعالى: «قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ» .
إشارة إلى الرحلة الجديدة التي سيأخذ فيها هؤلاء الظالمون طريقهم إلى جهنم.. فمنذ اللحظة التي تنتزع فيها أرواحهم، يدخلون فى عالم جديد، ويأخذون مكانهم بين من سبقهم من الظالمين، من الجنّ والإنس..
وهذه الأمم من ظلمة الجنّ والإنس، يعيش بعضها مع بعض فى شقاق واختلاف، إذ لا تفاهم بينها، لما اشتملت عليه نفوسهم من أمراض خبيثة، تزعج أصحابها، وتزعج من يتصل بها.. «كلّما دخلت أمة لعنت أختها» فهم يتلاعنون، ويتشاتمون، كما يفعل المجرمون، تضمهم جدران السجن..
ثم لا يقف أمر هذه الجماعات عند هذا، بل إنهم حينما تجتمع جموعهم للحساب والجزاء، يتراشقون بالتهم، ويلقى بعضهم على بعض جريمته التي يحملها بين يديه:
«حتّى إذا أدركوا فيها جميعا» أي إذا أدرك بعضهم بعضا، ولحق آخرهم بأولهم فى ساحة الحساب والجزاء: «قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ» وإضلال الأولين للآخرين هو بسبب متابعة الآخرين للأولين، وجريهم على ما كانوا فيه من ضلال، كما كانوا يقولون فى الدنيا إذا جاءهم الهدى: «إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ» .
وفى طلب الآخرين للأولين مضاعفة العذاب لهم، محاولة يائسة لدفع العذاب الواقع بهم هم، وإلقاء ذنوبهم على آبائهم وأجدادهم الذين اقتفوا آثارهم، وكانوا بهذا من أصحاب السعير..
وفى قوله تعالى: «قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ» ردّ على أوهام أولئك الذين تابعوا آباءهم وجروا على آثارهم، فإن لهم ضعفا من العذاب