قوله سبحانه: «قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ» - هو بيان لما أمر به من طيب وجميل. فقد أمر الله بالقسط، وهو العدل، وإقامة موازين الحق، حتى لا يظلم الناس بعضهم بعضا، ولا يعتدى بعضهم على حق بعض.. الأمر الذي لو استقام عليه الناس لا استقام أمرهم جميعا، ولجرت سفينة الحياة بهم فى ريح رخاء.. ومما أمر الله سبحانه به بعد هذا، إقامة الصلاة، إذ هى أكثر العبادات توثيقا للصلة بين العبد وربّه. حيث يمكن أن يأتيها كل إنسان.. فقير أو غنى، كبير أو صغير، فى أي وقت، وعلى أي حال.. ومن هنا كان من الإمكان أن يكون العبد على صلة دائمة، مع الله، بالصّلاة، فى الليل والنهار، فى السّر والجهر، خاليا مع نفسه، أو منتظما فى جماعة.

وقوله تعالى: «وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ» معطوف على ما قبله: «أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ» .. إذ كان معنى: «أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ» أقسطوا..

فصحّ أن يعطف عليه: «وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ» .. أي أفسطوا، وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد.

وإقامة الوجوه عند كل مسجد، إخلاص العبادة لله، وإقامة الوجوه إليه وحده، دون التفات إلى أحد غيره، وهذا هو الذي يعطى الصلاة ثمرتها المطلوبة منها، إذا هى أقيمت على هذا الوجه، من الولاء لله، واستحضار القلب لجلاله وعظمته.

وقوله تعالى: «وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» معطوف على «وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ» .. والدعاء صلاة، وعبادة، بل هو مخّ العبادة، كما يقول العابدون.. إذ هو التطبيق العملي للإيمان بالله، والإقرار بالعبودية له، وتعلق الرجاء فيه، والتماس الخير منه وحده، والانقطاع عما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015