وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ» (53: الأنفال)
قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (17) قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)
التفسير: وقع الحكم بالإدانة على المجرم. فلم يستسلم، ولم يتقبل الأمر بالهبوط على إطلاقه هكذا! فطلب من الله سبحانه أن ينظره أي يؤخر هلاكه إلى نهاية الحياة الإنسانية على هذه الأرض، ليكون فى صحبة الإنسان..
بتحدّاه، وينتقم منه، إذ كان سببا فى هذه اللعنة التي وقعت عليه.
ولقد سوّلت لهذا الرجيم نفسه أن يتحدى الله بهذه التجربة التي بينه وبين الإنسان، والتي قدّر أنه سينتصر فيها على الإنسان، ويقيم من ذلك حجة على الله فى امتناعه عن السجود لآدم، لأنه خير منه، وأن بيده سلطانا متمكنا عليه، حين يأمره فيطيع، ويدعوه إلى الإثم فيجيب، وبهذا تنكشف التجربة عن كائن بشرى يتمرغ فى الوحل والطين، متمردا على الله محاربا له! .. لا يستحق من الله هذا التكريم، وسجود الملائكة له.
وهذا موقف يدعو الإنسان أن ينتصر فيه لنفسه، وأن يجزى إبليس، ويتحدّى سفاهته، ويقف منه موقف العدوّ لعدوّه، فى ميدان القتال..