إليك- فى هذا توافق بين المبتدأ والخبر، من حيث التنكير والتجهيل، اللذان هما- فى تنكيرهما وتجهيلهما- أعرف وأظهر من كل معروف ومن كل ظاهر..
«كتاب أنزل إليك» أيها النبىّ، فلا تتلّبث فى شأنه، ولا تقف لتقول:
ما هذا الكتاب؟ ومن أين جاء؟ .. هو كتاب أنزل إليك وكفى! إنه واضح الدلالة، بيّن القصد.. فى كل كلمة من كلماته، وفى كل آية من آياته، شاهد يشهد له، ويشير إلى متنزّله.. «فلا يكن فى صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين» أي إذا كان هذا الكتاب الذي أنزل إليك على ما ترى من هذا السلطان الذي له، ومن هذا الإعجاز الذي بين يديه، فلا يكن فى صدرك ضيق، أو خشية من لقاء المشركين به، ودعوتهم إليه، وكشف ما يكشف من ضلالاتهم، وسفاهاتهم، ولو ساءهم ذلك فى أنفسهم وفى آلهتهم.. فإنه الحقّ الذي تصدم به الباطل، وإنه النور الذي تجلى به غياهب الشرك والضلال..
فيا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك.. ولا يكن فى صدرك حرج مما يسوء قومك من هذا الحق الذي تكشفه لهم.. لتنذر به المشركين منهم، وتذكّر به المؤمنين الذين اتبعوك..
ولقد كان النبىّ الكريم- صلوات الله وسلامه عليه- كريما مع قومه، محبا لهم، حريصا على أن يلقاهم- كما اعتادوا منه- بالمودة والإحسان.. فلما أكرمه الله بالرسالة، ليحرر قومه من ضلالاتهم، ويجلو العمى عن أبصارهم، بدأ يتلمس طريقه إليهم فى رفق وحذر، حرصا على ألا تنقطع بينه وبينهم وشائج القربى، وصلات المودة.. ولكن سفهاء قومه لم يستقبلوه بالحسنى، بل علا صراخهم فى وجهه، وتطاولت ألسنتهم بقول السوء فيه، ثم سعوا إليه بالأذى المادي، حتى لقد همّوا بقتله.. وهو- مع هذا- حريص على أن يمسك قومه على هذا الخير الذي بين يديه، وأن يفيض عليهم منه، ثم هو من جهة مطالب