ومن هذا نرى أن التعبير القرآنى عن السموات بلفظ الجمع يرد دائما حيث يراد المقابلة بينها وبين الأرض، لا من حيث الوضع علوا وسفلا، وإنما من حيث البناء التركيبى لكل منهما، وأن السموات عوالم متعددة، والأرض بالنسبة لها أشبه بالمفرد بالنسبة لجمعه، وأنهما إن اختلفتا اسما، فقد اتفقتا صفة، بأنهما آيتان من آيات الله الدالة على علمه، وقدرته، وحكمته..

وحين ينظر الناظر إلى السماء نظرا مباشرا، غير معتمد على كشوفات العلم ومقرراته، فإنه يرى فى السماء من دلائل القدرة الإلهية والإبداع الرباني ما لا يراه فى الأرض، ولهذا كان أول مالفت إبراهيم- عليه السلام- إلى الله، ما راعه من ملكوت السموات، فى بنائها وارتفاعها، سقفا محفوظا بغير عمد، وما زينت به من كواكب.. «فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ» (76- 78: الأنعام) .

هذا ما يبدو للنظر المجرد، البعيد عن معطيات العلم ومقرراته.. السماء أكبر جرما من الأرض، وأوسع مدى، وأكثر محتوى للعجائب والغرائب..

فإذا ووزنت بالأرض من تلك الجهة، فهى جمع والأرض مفرد.. هى سماوات والأرض أرض أو سماء! ثم إذا كشف العلم أن الأرض ليست إلا ذرّة سابحة فى فضاء هذا الكون العظيم، لا تعدو أن تكون قطرة من محيط- إذا كشف العلم هذا كان للمسلم العالم أن يرى «السموات» جمعا يدخل فى محتواه كل حقيقة يقررها العلم، وتبلغها مقاييسه، وتنكشف لرؤيته أو لرؤاه.. من اتساع وبسطة، وامتداد، بحيث لا يرى الأرض إلا أرضا، هى ذرة من رمال الصحارى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015