الله إلى عباد الله، ويبيّن لهم ما حمل إليهم من ربّه.. ثم يتركهم لأنفسهم.. فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.. ومن شاء فليستقم، ومن شاء فلينحرف:
«ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ» وليس من رسالته أن يقهر الناس على الخير الذي يحمله إليهم: «أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» (99: يونس) .
وقوله تعالى: «وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ» هو بيان لما بعد البلاغ الذي هو من عمل الرسول.. فهناك بعد أن يبلغ الرسول ما أنزل إليه من ربّه، يتولى الله سبحانه وتعالى مراقبة الناس فيما بلغهم إياه رسوله، واطلاعه سبحانه على ما يكون منهم من طاعة أو عصيان.. «وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ» ..
لا تخفى عليه منكم خافية، «لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى» (31: النجم) «فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ» (40: الرعد) .
وقوله تعالى: «قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ» هو إلفات للناس إلى ما بين الطيب والخبيث، من بعد بعيد. واختلاف شديد، فى الآثار التي تتبع كل منهما، وفى الثمار التي يجنيها الزارعون لهما.. من خير أو شر، ومن طيّب أو خبيث.
فالطيب وإن بدا قليلا فى كمّه، هو كثير فى كيفه.. إنه نبتة من نبّات الحق، يزكو مع الزمن، ويعلو مع الأيام. إنه أشبه بالكلمة الطيبة، والشجرة الطيبة، لا تغرب شمسه، ولا تنقطع موارد الخير منه.. «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها» (54- 25: إبراهيم) .
والخبيث وإن زها وازدهر، وانداح وامتدّ، هو كثير فى كونه، ضئيل