ورابعا: جعل الإسلام أهل الكتاب أهل ذمّة ولم يأخذهم بما أخذ به غيرهم ممن لا كتاب لهم من المشركين والكافرين، كالصائبين والمجوس، ومشركى العرب وغيرهم، لأنهم على شبهة من دين، ولهذا لم يقم عليهم حدّ القتل، إذ كان من أصول الإسلام: «درء الحدود بالشبهات» ..
فهم- أي أهل الكتاب- كافرون، ولكن كفرهم مشوب بإيمان باهت.. وهذا الإيمان على ما فيه، لا يرفع عنهم الحكم- ديانة- بأنهم كافرون، ولكنه يرفع عنهم إقامة حدّ الكفر عليهم بقتلهم، إذا وقعوا فى حوزة المسلمين وصاروا إلى أيديهم، وأبوا أن يدخلوا فى الإسلام..
فهذا الكفر المشوب بالإيمان، أو الإيمان المختلط بالكفر، يعصم دماءهم، وأموالهم، ويجعلهم ذمة فى يد المسلمين.. وفى هذا يقول الله تعالى: «قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ» (29: التوبة) .. فهذه الجزية التي تؤخذ منهم، وهذا الصّغار الذي ينضح عليهم من الجزية التي يؤدونها- هو تعزير لهم على جناية الكفر الذي حالت دون إقامة الحدّ عليهم فيه، شبهة الإيمان المختلط بكفرهم.
تم الكتاب الثالث، ويليه الكتاب الرابع فى تفسير الجزءين السابع والثامن.. إن شاء الله؟ المؤلف