ومع هذا كله، مما فضل الله به على نبيّه الكريم، من قوة الاحتمال، وثبات الجنان، ووثاقة العزم- يجىء هذا المدد العظيم، من ربّ عظيم، إلى نبى كريم، تحمله كلمات الله إلى رسول الله: «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» .. فأى نعمة مع هذه النعمة؟ وأي تكريم مع هذا التكريم؟
فالله سبحانه وتعالى هو الذي يأخذ إلى جنابه الكريم، عبده ورسوله محمدا، صلوات الله وسلامه عليه، وإذا هو فى حمى ربّ العالمين، لا يناله سوء من أحد، ولا يصيبه أذى من إنسان! ..
«وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» .. وإنه لو اجتمع الناس جميعا لما نالوا من محمد نيلا.. هكذا كان وعد الله، وهكذا استيقن رسول الله من وعد ربّه..
ولا شك أن هذا من أنباء الغيب، ومن تحدّيات القرآن للكافرين والملحدين والمنافقين.. فلو أن الرسول- صلوات الله وسلامه عليه- أصيب بأذى بعد هذه الآية الكريمة لكان ذلك دليلا- أي دليل- على أن ما يتقوله الكافرون والمنافقون على القرآن الكريم، وأنه قول بشر، وتلفيقات إنسان..
وإذا علمنا أن هذه الآية فى سورة المائدة، وأن هذه السورة كانت آخر سور القرآن نزولا، على أصح الأقوال، أو أنها من آخر سور القرآن نزولا، بلا خلاف- إذا علمنا هذا أدركنا السرّ فى تأخر هذا الوعد الكريم إلى أخريات أيام الرسول، وإلى مختتم رسالته، وذلك حتى لا ينكشف للرسول وهو قائم على طريق الدعوة، أنّه فى ضمان هذه الحراسة الربانية، وفى ظلّ تلك العصمة التي عصمه الله بها من الناس، وذلك ليكون له بلاؤه، وجهده، وعزمه، فى ملاقاة الشدائد، واحتمال المحن، مستقبلا كل ما يمكن أن تتمخض عنه الأحداث، ولو كان فى ذلك ذهاب نفسه..