أهل الكتاب- وخاصة اليهود- فلو أنهم أقاموا هذه الكتب على وجهها وأخذوا عنها بعض ما فيها، واستقاموا على أمرها ونهيها، لا استقام طريقهم فى الحياة، ولملأ الله قلوبهم غنى ورضى، ولوجدوا فيما أنزل الله من رزق. هو خير كثير، يسع الناس جميعا، ويسعد به الناس جميعا.
ولكنّهم كفروا بآيات الله، واتبعوا أهواءهم، وجروا على ما تمليه عليهم أنفسهم من حقد وحسد، وشره، وتكالب على المال.. فكان الجري اللاهث فى الحياة نصيبهم، وكان الجوع النفسي، والجدب لوجدانى، خاتمة مطافهم وسعيهم.
إنهم لم يتوكلّوا على الله، ولم يعطوه أيديهم ليقودهم إلى الخير، ولو فعلوا لكفل لهم رزقا حسنا، وحياة طيبة، كما يقول الرسول الكريم: «لو توكلتم على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خمصا (أي جياعا) وتروح بطانا (أي شبعى) » .
وقوله سبحانه: «مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ» .
الأمة: الجماعة، والاقتصاد: هو المتوسط فى الأمر، وعدم المبالغة فى مجاوزة حدوده..
والمعنى، أن من هؤلاء اليهود جماعة مقتصدة، أي معتدلة فى زيغها وانحرافها، لم تبالغ فى الزيغ والانحراف، ولم تبعد كثيرا عن طريق الحق..
أما كثرتهم ففى ضلال مبين، وكفر غليظ.
يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (67)