وهؤلاء القوم مدعوّون فيمن دعوا.. إلى هذا الرزق الكريم، وإلى هذا العطاء الجزل، ولكنّهم لم يستقبلوا هذا الخير استقبال النعم، بالحمد والشكر، بل زادهم ذلك طغيانا إلى طغيان وكفرا إلى كفر.. ولن يكون حالهم أحسن من هذا الحال، لو بسط الله لهم فى الرزق، من مال وغيره.. إنهم لن يزدادوا به إلا طغيانا وكفرا.. فهذا شأنهم مع كل نعمة من نعم الله.
قوله تعالى: «وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ» هو لعنة من لعنات الله على هؤلاء القوم، تقطع معهم مسيرتهم فى الحياة، متنقلة بهم من جيل إلى جيل، إلى أن تقوم الساعة.. فالعداوة قائمة بينهم، يطعمون منها طعاما خبيثا، يملأ كيانهم حقدا وبغضا، لا يطمئن لهم قلب، ولا يستريح لهم بال، فهم فى حرب مستعرة فيما بينهم، وهم فى حرب متصلة بينهم وبين الناس جميعا.. يبغضون الناس، ويبغضهم الناس، وتلك هى اللعنة التي تأخذ الملعونين بالبأساء والضرّاء، مع كل نفس يتنفسونه، من الميلاد إلى الممات..
وفى قوله تعالى: «إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ» تأبيد لهذه اللعنة التي لا ترفع عن الملعونين أبدا، حتى بعد موتهم.. فتصحبهم إلى قبورهم. وتبعث معهم يوم يبعثون.
قوم تعالى: «كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ» النار التي يوقدها اليهود هنا، هى كيدهم لدين الله، ولرسول الله.. كلّما نزلت آية من آيات القرآن.
الكريم، نظروا فيها، وتأوّلوها تأويلا فاسدا، وعرضوها على ما عندهم من مقولات باطلة مضللة، ليفسدوا بها على الناس دينهم.. وفى كل مرة يفعل اليهود هذا تفضحهم آيات الله على الملأ، فلا يرجعون إلا بالخزي وسوء المنقلب وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «أَطْفَأَهَا اللَّهُ» أي أنه تعالى بما ينزل من آيات القرآن الكريم على النبي، يبطل ما دبّر اليهود، ويتبّر ما كانوا يعملون،