وثالثها: أن الآية صريحة فى أن المبعوث هو غراب لا غرابان..

ولو كانا غرابين لذكرتهما الآية..

ورابعها: أنه لو وقع بين الغرابين هذا الصراع الذي انتهى بقتل أحدهما لكان فى ذلك عزاء لابن آدم القاتل، إذ يرى فى هذا تبريرا لفعلته، وإجازة لجريمته. فضلا عن أن الغربان لا تواري موتاها أو قتلاها.

وخامسا: لو أن هذا الذي فعله ابن آدم كان أول فعلة وقعت من نوعها فى عالم البشر لما كان عليه كبير إثم منها.. لأنه فعل فعلا لا يدرى ما هو، وما عاقبته، ولما كان مستحقا أن يوصف بما وصفه الله به، وهو قوله تعالى:

«فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ» .

ولكن ما مفهوم هذه الآيات؟ وما شأن الغراب هنا؟ ولم هذا الندم الذي استشعره القاتل مما فعله الغراب؟

أما مفهوم هذه الآيات- والله أعلم- فإنها ترفع لبنى إسرائيل مشهدا من مشاهد الآثام التي يأتونها من غير تحرج أو تأثم، وأن مردّ هذه الآثام يرجع فى أكثره إلى الحسد، الذي يملأ صدورهم نقمة على الناس، ويبسط ألسنتهم وأيديهم بالسوء والأذى إلى كل من تلبسه نعمة من نعم الله..

وأنهم فى الإنسانية إنما يمثلون هذا الإنسان الظالم الآثم من ابني آدم، الذي حمله الحسد لأخيه على أن يلقى بنفسه إلى التهلكة، وأن يخسر الدنيا والآخرة جميعا! هذا هو المضمون الظاهر لهذه الآيات..

أما الغراب، فقد يكون غرابا حقيقيا، أو كائنا سماويا تمثّل فى هذه الصورة.

وعلى أىّ فهو ملهم من الله تعالى بأن يفعل ما فعل بين يدى ابن آدم هذا..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015