وكان أن تقبّل الله من أحدهما ولم يتقبل من الآخر. لما يعلم- سبحانه- من أمر كل منهما، وما هو أهل له عنده..

وهنا تتحرك الغيرة، وتتحول إلى حسد، ويستغلظ الحسد فيكون عدوانا وانتقاما.. وإذا الأخ يتوعد أخاه، ثم تمتد إليه يد الإثم فتقتله، ولا تعطفه عليه عاطفة الأخوة، ولا لحمة الإنسانية، ولا وداعة الأخ وبره بأخيه، وحرصه على سلامته..

وفى هذا يقول الله تعالى: «قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ» ..

فهذا يتهدّد أخاه بالقتل، وذك يدعوه إلى الهدى، ويكشف له معالم الطريق إلى الله، ليكون فى المقبولين عند الله مثله: «إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ» فاتق الله، واستقم على طريقه، يكن لك من الله ما كان لى، فليس عند الله محاباة، وإنما أكرم الناس على الله، أتقاهم لله..

ولكن الحسد يغطى على عقل هذا الأخ، ويطمس على بصيرته، فلا يرى إلا النقمة من أخيه، شفاء لدائه وسكنا لأوجاعه.. والأخ يلقاه ملاطفا موادعا:

«لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ» .. فهو ملازم للتقوى متمسك بها، بعد أن عرف ثمرتها فى هذا المشهد الذي شهده بين يدى ربّه.. إنه على خوف من ربّه أن ينحرف عن طريق التقوى. أما هذا الأخ الحسود، فلم يزده اللّين والنصح إلا عنادا وإلا جفاء.

وإذ لم تصل الكلمات اللّينة الوادعة إلى قلب هذا الأخ الحسود، فقد جاءه بمقرعة يقرعه بها، وينبهه إلى هذا الخطر الذي هو مقدم عليه، والذي إن أصرّ على موقفه منه، كان فى ذلك هلاكه وسوء مصيره.. فيقول له:

«إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ» ولو كان فى هذا الأخ الحسود بقية من عقل لفوّت على أخيه ما يريده له

طور بواسطة نورين ميديا © 2015