لم يدعهم إلّا إلى ما فيه خير عاجل لهم، وهو أن يخرجوا من الصحراء، وأن ينتقلوا من حياة الرعي والخيام، إلى حياة المدينة، والاستقرار! ثم هو- عليه السلام- لم يدعهم إلا إلى أرض مقدسة، تحفّها رحمات الله، وتبارك أرضها..

ثم هو- عليه السلام- لم يدعهم إلا ليمدّوا أيديهم إلى ما وعدهم الله به، وكتبه لهم.. إنها ثمرة طيبة دانية القطوف، لا يحتاج من يريد أن يطعم منها إلى أكثر من أن يمدّ يدّه إليها! ومع هذا فقد أبى القوم أن يتقبلوا دعوة موسى، وأن يصدّقوا وعد الله لهم، بل غلب عليهم سوء طبعهم، فخيّل إليهم أن فى الأمر شيئا، وأن وراء هذه الدعوة ما وراءها! وموسى عليه السلام، خبير بالقوم، عليم بما ينطوى عليه كيانهم من خبث وفساد.. ولهذا لم يرسل الدعوة إليهم بدخول الأرض المقدسة مطلقة، بل أتبعها بهذا التحذير الذي كان لا بد منه فى مواجهة قوم كهؤلاء القوم..

«وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ» إذ لا ينتظر من هذه الجماعة إلا أن تصطدم مع هذه الدعوة، كما تصطدم الكرة بجدار فترتدّ إلى وراء! وفى التعبير بارتداد القوم على أدبارهم، إشارة إلى أنهم إنما يرتدون إلى الوراء وعيونهم معلقة بالمتجه الذي تتجه إليه الدعوة، وكأن هذا المتجه حيوان مفترس يتحفز للوثوب عليهم.. فهم يسيرون إلى الوراء، على أقفيتهم، وأبصارهم شاخصة إلى هذا الأمر المخيف الذي دعاهم إليه! فهم- والحال كذلك- بين خطر يقع عليهم من تصوراتهم لهذا الأمر الذي يدعون إليه، وخطر يترصدهم، وهم يتدافعون إلى الوراء نحو مجهول لا يرون لهم منه مهربا..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015