أن نعيش فيه مع الله الذي تحفّ بنا ألطافه، وتشتمل علينا نعمه.. ففى كل نفس يتنفسه الإنسان نعم ظاهرة تحدّث بها كل جارحة فيه.. فضلا عن النعم التي تساق إليه من هذا الوجود الذي يتحرك فى رحابه ويتقلب بين أرضه وسمائه..
قوله تعالى: وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ» هو عطف على قوله تعالى: «نِعْمَةَ اللَّهِ» أي اذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الّذى واثقكم به..
والميثاق الذي واثقنا الله به هو ما أشار إليه سبحانه فى قوله تعالى: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا» (172: الأعراف) فهذا إقرار من الناس جميعا- قبل أن يخلقوا وقبل أن يكونوا أناسا- بالولاء لله، والاعتراف بربوبيته.. وهو إقرار ضمن الإقرار العام للوجود كلّه بالانقياد لله، والولاء له..
وإذ يذكر الإنسان أنه كان على عهد مع الله وهو فى مضمر الغيب، قبل أن يكون له وجود، وقبل أن يستكمل وجوده، ويصبح كائنا، عاقلا رشيدا- إذ يذكر الإنسان هذا من أمر نفسه، ويذكر ما ينبغى أن يكون موقفه من الله، وهو الإنسان العاقل الرشيد- وجد من السفاهة والضلال أن يكون على غير هذا الطريق القويم الذي انتظم فيه مع الوجود كله يوم أن لم يكن شيئا..
فكيف يسفه ويحمق، ويشرد عن هذا الطريق، ويتخذ لنفسه طرقا لا معلم فيها، ولا أنيس له فى مجاهلها إلا من كان على شاكلته من التأئهين والضالين وإخوان الشياطين؟