فما أحلّ الله هو كل طيب، وما حرّمه فهو كلّ خبيث- هذا هو مناط الحكم فى الحلّ والحرمة. وهذا هو فيصل ما بين الحلال والحرام.. فكل طيب هو حلّ مباح، وكل خبيث، هو حرام محظور.. فليست العبرة بكثرة هذا أو ذاك، فى الكمّ والعدد، وإنما العبرة بالكيف الذي عليه هذا وذاك..
فما اتصف بأنه طيب، تقبله النفوس الطيبة، وترضاه، فهو حلال، وما اتصف بأنه خبيث، تعافه النفوس الطيبة، وتنفر منه، فهو حرام..
والواقع يحدّث بأن الطيبات كثيرة لا حصر لها، وأن الخبائث قليلة يمكن حصرها، والإشارة إليها، ولهذا أطلق الله الطيبات، وجعلها شاملة عامة، وقيد الخبائث، وحصرها فى تلك الدائرة الضيقة، وأباح كل ما وراءها.. والله سبحانه وتعالى يقول: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ» (22: الأعراف) ويقول سبحانه فيما حرّم من خبائث ومنكرات:
«إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ» (33: الأعراف) .
وقوله تعالى: «وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» هو بيان لأمر تشوبه شبهة الحرام، وهو الصيد الذي يصاد بالحيوانات التي يدرّبها أصحابها على الصّيد، كالكلاب والنسور ونحوها..!
والشبهة فيها، هى أن حيوان الصيد قد يدميها بنابه أو مخلبه، أو منقاره، وربما تموت قبل أن تصل إلى يد صاحب الحيوان الصائد لها..
وقد جاء قوله تعالى هنا مبيحا لهذا الأسلوب من الصيد، ولكن قيّدّه