التفسير الحديث (صفحة 3975)

تنديد بالمسلمين الذين آثروا الرضوخ والبقاء في كنف الأعداء وعدم الهجرة مع قدرتهم عليها. بل إيجاب وتأثيم لمن لا يناضل العدو أو يهاجر لأجل التوسل لمناضلته. ولقد روى أبو داود والترمذي عن جرير بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «أنا بريء من كلّ مسلم مقيم بين أظهر المشركين» (?) وفي هذا تطور تشريعي بالنسبة لظروف السيرة النبوية لأن آية الأنفال التي أوردنا نصّها آنفا والتي أشارت إلى هذا الفريق لم تتضمن التأثيم والإنذار والإلزام والإيجاب بل تضمنت إيجاب نصرتهم على المسلمين إذا استنصروهم في الدين. وكل ما تضمنته تقرير كون المهاجرين لا يتحملون تبعتهم. ولقد ظل ما انطوى في الآية الأولى محكما إلى فتح مكة الذي تمّ في السنة الثامنة للهجرة حيث روى الخمسة حديثا عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء فيه «لا هجرة بعد الفتح وإنما جهاد ونية. وإذا استنفرتم فانفروا» (?) فغدت الهجرة بعد ذلك اختيارية. وظاهر أن رفع واجب الهجرة عن المسلمين بعد الفتح متصل بظروف السيرة النبوية. لأن مكة أيضا بل معظم جزيرة العرب غدت دار إسلام خاضعة لسلطان النبي والمسلمين (?) .

ويلحظ أن آيات سورة النساء [74 و 75] التي مرّ تفسيرها احتوت أمرا المتبادر أنه للمؤمنين الذين هم خارج بلد الظالمين بالقتال في سبيل الله والمستضعفين من جهة أن هذه الآيات التي نحن في صددها هي في الذين هم في بلد الظالمين. وكلتا الصورتين مما كان واقعا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الفتح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015