ويشيدون بتلك الصلة وهذه البنوة قبل البعثة النبوية. وفي سورة البقرة آية تذكر أن في الحرم المكي مقاما كان معروفا باسم مقام إبراهيم وهذا دليل حاسم بدون ريب على تلك المعرفة والتداول، وهي هذه: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) .
وقد جاء بعد هذه الآية آيات تحكي خبر دعاء إبراهيم لأجل أمن البيت وأهله وخبر رفعه مع إسماعيل لقواعده ودعائهما لذريتهما بأسلوب يلهم أن ما احتوته مما كان متداولا بين السامعين. وهي هذه: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
(129) .
وقد ذكر مقام إبراهيم مرة أخرى في آيات في سورة آل عمران مع زيادة هامة وهي أنه كان معروفا بعلامات واضحة ومع الإشادة بالبيت على أنه أول بيت وضع لعبادة الله مباركا وهدى للعالمين وهي هذه: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (96) فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (97) .
وبناء على ما تلهمه الآيات من أن ما احتوته كان متداولا مسلما به من السامعين العرب فالمتبادر أنه جاء للتذكير والتدعيم بعد آيات التنديد بمواقف العرب وجحودهم واتخاذهم الأنداد والشركاء مع الله: فإبراهيم الذي يعترفون بأبوته لهم كان يدعو الله أن يجنبه هو وبنيه عبادة الأصنام ويقرر أنها أضلت الناس ويدعو الله أن يجعله هو وذريته من القائمين بحق عبادة الله ويعلن إسلامه نفسه