سمعت مقاتلًا صاحب التفسير يسأل أبا عمرو بن العلاء عن قوله: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} ما مثلها؟ قال: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} قال: ما مثلها؟ فسكت أبو عمر، وقال: فسألت يونس عنها، فقال: مثلها صفتها، قال محمد بن سلام: ومثل ذلك قوله تعالى: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ} [الفتح: 29] أي صفتهم، قال الأزهري (?): ونحو ذلك روي عن ابن عباس، وأما جواب أبي عمرو لمقاتل، فإنه أجابه، جوابًا مقنعًا، ولما رأى نَبْوةَ فَهْم مقاتل عما أجابه، سكت عنه، لما وقف عليه من غلظة فهمه، وأراد أبو عمرو: صفتها أن الأنهار تجري من تحتها، وأن فيها أنهارًا من ماء غير آسن.
قال ابن الأنباري: وعلى هذا القول المثل ابتداء وخبره {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}.وهو الرافع له، لأن المثل معناه الصفة، وصفة الجنة في المعنى قول مقول، وكلام معقول مفهوم، فجرى مجرى القول في صفة الجنة تجري من تحتها الأنهار، كما تقول: قولي بقول عبيد الله، وقولي ينصفك الأمير، (فيكون: ينصفك الأمير) (?) خبر القول، ولا ذكر له فيه، لأنه بمعنى قولي هذا الكلام، فسَدَّ (ينصفك الأمير) مَسَدَّ هذا الكلام، وسَدّ (تجري من تحتها الأنهار) مَسَدّ مثل الجنة، هذا الوصف الذي تخبرون به، وهذا الوصف الذي تسمعونه، هذا كلام أبي بكر، وقال ابن قتيبة (?): معنى المثل: الشبه في أجل اللغة، ثم قد يصير بمعنى سورة الشيء وصفته، وكذلك المثال والتمثال، يقال: مثلت لك كذا، أي: صورته