التفسير البسيط (صفحة 4229)

وقال أبو علي الجرجاني في قوله: {بَيْنِكُمْ} بمعنى: لما بينكم، وما بينكم كناية عن التنازع والتشاجر، ثم أضاف الشهادة إلى التنازع، لأن الشهود إنما يحتاج إليها في التنازع الواقع في ما بين القوم، والعرب تضيف الشيء إلى الشيء إذا كان منه بسبب كقوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} [الرحمن: 46] أي: مقامه بين يدي ربه. ثم حذف (ما) من قوله: ما بينكم، والعرب تحذف كثيراً ذكر (ما) و (من) في الموضع الذي يحتاج إليهما فيه كما قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ} [الإنسان: 20] أي: ما ثِّم، وكما قال: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف: 78] على معنى: ما بيني وبينك، ومثله قوله تعالى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام: 94] في قول من نصب، وهذا الذي ذكره الجرجاني شرح ما أجمله أبو علي، لأنه إذا حُذف (ما) وأضيف إليه فقد جعل الظرف اسمًا متسعًا فيه، فأبو علي أجمل، والجرجاني فسر.

وقوله تعالى: {إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ}، (إذا) ظرف يتعلق بالشهادة، وهو معمولها على تقدير: يشهدان (?) إذا حضر أحدكم الموت اثنان، ولا يجوز أن يتعلق بالوصية على تقدير: حين الوصية إذا حضر، أي الوصية تكون عند حضور الموت لأمرين:

أحدهما: أن الوصية مصدر، ولا يتعلق بالمصدر ما يتقدم عليه، لأنه ليس له قوة الفعل، فلا يجوز: زيدًا ضربًا، بمعنى: اضرب زيدًا، كما يجوز: ضربًا زيدًا.

والثاني: أن الوصية مضاف إليه، والمضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف؛ لأنه لو عمل فيما قبله لجاز تقديره في ذلك الموضع، وإذا قُدر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015