وأبو حنيفة وأصحابه اعتبروا صلاح المال، ولم يعتبروا صلاح الدين (?).
وهذا الاختلاف يعود إلى الاختلاف في معنى الرشد، فمن جعل معنى الرشد حفظ المال وإصلاحه يزيل الحجر عن اليتيم بالبلوغ وحفظ المال، دون الصلاح في الدين، ومن جعل معنى الرشد صلاح الدين وحفظ المال اعتبرهما في زوال الحجر عن اليتيم، وهذا هو الأولى (?)؛ فإن أهل اللغة قالوا في معنى الرشد: إنه إصابة الخير (?)، والمفسد في دينه لا يكون مصيبًا للخير. وأيضًا فإن الرشد نقيض الغي، قال الله تعالى: {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256]، والغي: هو الجهالة والبطالة والفساد. قال طرفة:
أرى قبرَ نَحَّامٍ بَخيلٍ بمالِه ... كقبر غويٍّ في البَطَالة مُفْسدِ (?)
فجعل المفسد غويًا (?)، فدل هذا على أن المفسد في دينه لم يبلغ الرشد.
وقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا}.