وأما أهل المعاني فلهم أيضًا أقوال سديدة في معنى الآية:
أحدها: أن المعنى قوله: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} إلا ليخضعوا لي ويتذللوا. وهذا معنى العبادة في اللغة، وكل أحد من مؤمن وكافر، وبر وفاجر، فهو خاضع لقضاء الله متذلل لمشيئته، خَلَقه على ما أراد، ورزقه كما قضى، لا يملك أحد لنفسه خروجًا عما خلق عليه، فقد حصل هذا الخضوع والتذلل من كل أحد (?).
القول الثاني: أن معنى الخلق في قوله: {وَمَا خَلَقْتُ} خلق التكليف والاختيار، لا خلق الجبلة والطبيعة (?)، فمن وفقه وسدده أقام العبادة التي خلق لها، ومن خذله وطرده حرمها وعمل ما خلق له (?). وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا المعنى بقوله: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له" (?).
57 - قوله تعالى: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} قال عطاء عن ابن عباس: ما أريد أن يرزقوا من خلقي أحدًا، ونحوه قال مقاتل، والزجاج. وقال الكلبي: {مِنْ رِزْقٍ} أن يرزقوا أنفسهم. ونحوه قال