كالأكل والشرب والنوم والنكاح وبناء الدور وزرع الزروع (أ) ونحوه تصح بدون النيَّة إذ يترتب آثارها عليها بمجرد عملها، وأمَّا تخصيصه بالنظر فلأن قضاء الديون ورد الغصوب والأمانات ودفع النفقات الواجبة تصح (ب) ويترتب أثرها عليها وهو براءة العهدة منها بدون النيَّة، وهذا التخصيص إنَّما لحق الجملتين الأوليين من الحديث وهما: "إنَّما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" لعمومهما في أعمال العادات والعبادات، أما الجملتان الأخيرتَان وهما "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها" فهما على عمومهما لم يُخَصَّا بشيء لاختصاصهما بالهجرة التي هي من أعمال العبادات، والعبادات تشترط لها النيات.

البحث التاسع: إن قيل: لم قال: "إنَّما الأعمال بالنيات" ولم يقل: إنَّما الأفعال؟ قلنا: قال بعض العلماء: إنَّما قال: إنَّما الأعمال لأنَّه لو قال: إنَّما الأفعال بالنيات لتناول أفعال القلوب، ومنها النيَّة، ومعرفة الله تعالى، فكان يلزم أن لا يصحَّا إلَّا بالنية، لكن النيَّة فيهما محال.

أما في النيَّة فلأنها لو توقَّفَت على نيَّة أخرى لتوقَّفت الأخرى على نيَّة أخرى، ولزم تسلسل النيَّات، أو الدور وهما محالان، وأمَّا معرفة الله عزَّ وجلَّ فلأنها لو توففت على النيَّة -مع أن النيَّة قصد المنوي بالقلب (?) -

طور بواسطة نورين ميديا © 2015