فإنَّ قيل: كيف هذا مع قوله - صَلَّى الله عليه وسلم -: "لا تفضلوني على يونس، ومن قال أناخير من يونس بن متَّى فقد كذب" (?).
قلنا: هذا منه على جهة التواضع، أو حفظًا لمنصب الأنبياء عمن ينتقِصُهُم بواسطة تفضيله عليهم، أو أنه قال ذلك قبل أن يوحى إليه أنه أفضل البشر.
قوله: "المكرم بالقرآن العزيز المعجزة المستمرة على تعاقب السنين" أعلم أن القرآن يجوز أن يُسمَّى معجزًا وصفًا له باعتبار لفظه أو كونه كتابًا معجزًا، ويجوز أن يُسَمَّى معجزة على معنى أنَّه آية معجزة. ومِنْ فَضْلِ القرآنِ على سائر المعجزات دوامه وانقطاعها، واختلف النَّاس في قدمه، ولم يختلفوا في حدوثها.
وفي الصحيح عنه (أ) - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما من نبي من الأنبياء إلَّا وقد أوتى ما مثله آمن عليه البشر، وإنَّما كان الذي أوتيته وحيًا، وإنّي أرجوا أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة" (?) قلت: وما ذاك إلا لأنه معجز مُستَمِرٌّ دائم بين أظهر النَّاس يرشدهم إلى الإيمان بمن أنزل عليه على تعاقُب الأعصار واختلاف الليل والنهار، فبالضرورة تكثر اتباعه، بخلاف باقي معجزات الرسل فإنَّها لولا تصديق القرآن لها لما آمن بها إلَّا قليل لانقطاع وجودها