ثم (أ) اعلم أن كلا من الناس إما أن يكون هواه تابعا لما جاء به الرسول، أو يكون ما جاء به الرسول تابعا لهواه، أو يكون هواه تابعا لبعض ما جاء به الرسول دون البعض.
والأول: المؤمن الكامل.
والثاني: الكافر لأن التقدير أنه أعرض عن جميع ما جاء به الرسول إلى هواه، ومما جاء به الرسول الإيمان، ومن أعرض عن الإيمان فهو كافر لا محالة.
والثالث: إما أن يكون البعض الذي تابع فيه الرسول هو أصل الدين دون فروعه، أو فروعه دون أصله، فإن تابعه في أصل الدين وهو الإيمان، وخالفه فيما سواه فهو مؤمن فاسق، وإن كان بالعكس فهو منافق.
واعلم أن الهوى يميل بالإنسان بطبعه إلى مقتضاه ولا يقدر على جعله تبعا لما جاء به الرسول إلا كل ضامر مهزول.
وحقيقة الهوى شهوات النفس، وهي ميلها إلى ما يلائمها (أ)، وإعراضها عما ينافرها، مع أنه ربما كان عطبها في الملائم وسلامتها في المنافر.
ويقال: إن هشام بن عبد الملك لم يقل في عمره إلا بيتا واحدًا، وهو قوله:
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَعْصِ الهَوَى قَادَكَ الهَوَى ... إِلَى بَعْضِ مَا فِيهِ عَلَيكَ مَقَالُ (?)