بين ما أبصره، أو علمه ولم يره، ويحتمل أن رأى من رؤية القلب، أي: من علم منكم منكرا فليغيره، فهو أعم مما أبصره أو علمه، وهو أشبه في النظر وإن كان لفظ رأى ظاهرا في الإبصار.

وقوله: "فليغيره" أي: يزيله ويبدله بغيره، وغير المنكر هو المعروف، وهو ما عرفه الشرع وأجازه من واجب أو مندوب أو مباح، ولا واسطة بينهما على هذا، أعني تفسير المعروف والمنكر. مما يجوز وبما لا يجوز، وربما أريد بالمعروف الطاعة، وبالمنكر المعصية، فعلى هذا ثبتت الواسطة بينهما، وهو المباح إذ ليس بطاعة ولا معصية.

ثم الأمر بتغيير المنكر يقتضي وحوب إنكاره مطلقا، والتحقيق التفصيل وهو أن من رأى منكرا فإن قدر على إنكاره، وأمن على نفسه، ولم يخف تزايد المنكر بإنكاره -وبالجملة إن لم يعارض مصلحةَ الإنكار مفسدة راجحة ولا مساوية- لزمه الإنكار، وإن عجز عن إنكاره فهو معذور، والمكلف به غيره من الناس، إذ إنكاره فرض كفاية، وإن قدر على إنكاره ولكن خاف على نفسه ضررًا من هلاك أو غيره فيه احتمالان:

أحدهما: لا يجب؛ لقوله عزَّ وجلَّ {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} [سورة النحل: 107] فأجاز النطق بكلمة الكفر عند الخوف والإكراه وهو في معنى ترك إنكار المنكر لذلك.

والثاني: يجب؛ لعموم قوله: "فليغير" ولقوله عليه الصلاة والسلام: "يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقول الله عزَّ وجلَّ: ما منعك إذ رأيت كذا وكذا أن تنكره؟ فيقول: يا رب خشيت الناس، فيقول الله عزَّ وجلَّ: أنا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015