واعلم أن الزهد في اللغة هو الإعراض عن الشيء لاستقلاله واحتقاره وارتفاع الهمة عنه، مأخوذ من قولهم: شيء زهيد، أي: قليل. وفي الحديث "إنك لزهيد" (?). وقال الشاعر:
وَأَغْدُو عَلَى القُوْتِ الزَّهِيدِ ... ................... البيت
وأما في الحكم فهو على أضرب:
أحدها: الزهد في الحرام، وهو الزهد الواجب العام.
والثاني: الزهد في الشبهات، والأشبه وجوبه لأنه وسيلة إلى اتقاء الوقوع في الحرام لقوله عليه الصلاة والسلام: "ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام" الحديث، واجتناب الحرام واجب، ووسيلة الواجب واجبة، فالزهد في الشبهات واجب.
الثالث: الزهد فيما عدا الضرورات من المباحات وهو المراد من هذا الحديث ظاهرا، وهو زهد الخواص العارفين بالله عزَّ وجلَّ.
والرابع: الزهد فيما سوى الله عزَّ وجلَّ من دنيا وجنة وغير ذلك، فلا قصد لصاحب هذا الزهد إلا الوصول إلى الله عزَّ وجلَّ والقرب منه، وهو زهد المقربين، فلا جرم لما حصل لهم مقصودهم اندرج في ضمنه كل مقصود لغيرهم عفوا من غير طلب ولا قصد له، ولا جعلوه ثمن عبادتهم، و "كل الصيد في جوف الفرا" (?) والله عزَّ وجلَّ أعلم بالصواب.