ثم يحتمل أن هذين العلامتين علامة واحدة مركبة من أمرين، ويحتمل أنهما علامتان مستقلتان، والأول أظهر لأنه عطف إحداهما على الأخرى بواو الجمع، وينشأ لنا من هذا (أ) قسمة رباعية، وهي أن الفعل إما أن يحيك في النفس ويكره اطلاع الناس عليه، أو لا يحيك فيها ولا يكره اطلاعهم عليه، أو يحيك ولا يكره الاطلاع عليه، أو يكره الاطلاع عليه ولا يحيك فيها، فإن حاك في النفس وكره الاطلاع عليه فهو إثم كالربا والزنى، وإن لم يحك فيها (ب) ولا كره الاطلاع عليه فليس بإثم كالعبادة والأكل والشرب ونحوه، وإن حاك فيها ولم يكره الاطلاع عليه، أو كره الاطلاع عليه ولم يحك في النفس فهذا إن أمكن وجوده مشتبه متردد بين الإثم والبر من باب قوله: "الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات" (?) أو يكون مكروهًا تنزيها.
والكراهة المعتبرة ها هنا هي الكراهة الدينية الجازمة، فالدينية احتراز عن العادية، كمن يكره أن يرى على الأكل حياء أو بخلًا ونحو ذلك، والجازمة احتراز عن غير الجازمة كمن يكره أن يركب بين المشاة تواضعا أو نحوه، ثم لو رأى كذلك لم يبال لأن كراهته لذلك غير جازمة.
واعلم أن الأفعال إما من أعمال الجوارح، أو من أعمال القلوب، وعلى التقديرين فهي إما أن لا يكره اطلاع الناس عليها كالعبادة والأكل والشرب