محضة، لأن المؤذي لي إن كنت قادرا عليه عاقبته إن شئت ولا حاجة إلى الغضب، وإن لم أكن قادرا عليه فالغضب المجرد لا يشفيني منه، فلا حاجة إليه.
واعلم أن هذا الكلام مقبول بادئ الرأي، وعند النظر يظهر فيه شيء، وهو أن الغضب من الأعراض الطبيعية التي لا تندفع (أ) بالاختيار كالخجل والوجل لأنه فوران دم القلب باطنا فهو كالرعاف ظاهرا، وإنما جعله الله عزَّ وجلَّ سببًا للانتقام ودفع المكاره وحينئذ لا يندفع الغضب عند قيام سببه، كما لا يندفع الخوف عند قيام سببه.
وحكي عن موسى - صلى الله عليه وسلم - أنه لما قيل له: {خُذْهَا وَلَا تَخَفْ} [طه: 21] لَفَّ كمَّه على يده وتناولها بها، فقيل له: أرأيت لو أذن الله عزَّ وجلَّ فيما تحذر هل كان ينفعك كُمُّكَ؟ قال: لا، ولكني ضعيف، ومن ضعف خلقت (ب).
والتحقيق أن الناس في الغضب على ضربين:
أحدهما: مغلوب للطبع الحيواني فلا يمكنه دفعه وهو الغالب نمط الناس.
والثاني: غالب للطبع بالرياضة فيمكنه منعه، ولولا هذا وإلا لكان قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تغضب" تكليفا أو أمرا بما لا يطاق. وأقوى الأشياء في منع الغضب ورفعه التوحيد الحقيقي العام وهو اعتقاد الإنسان أن لا فاعل في