أمرت بقتال الناس.

ولو قال قائل: أمرت قتال الناس لكان نائيًا عن اللسان.

البحث الثالث: قوله: "حتى يشهدوا" إلى آخره، فيه دليل على قتل تارك الصلاة والزكاة غير جاحد لهما لأن غاية الأمر بالقتال فعل الصلاة والزكاة، فما لم يفعلا لا يبلغ القتال غايته، فيكون قتال تاركهما جائزًا بل واجبا بموجب الأمر الإلهي، ثم القتال ينتهي إلى القتل غالبًا ولو لم يكن إلا جواز إفضائه إليه، وذلك يدل على جواز بل وجوب قتل تاركهما.

فإن قيل: الحديث إنما دل على قتال الكافر الأصلي حتى يؤمن ويصلي ويزكي، فلم قلتم: إن المسلم إذ تركهما يجوز قتاله؟

قلنا: لوجهين:

أحدهما: أن الكافر الأصلي إذا قوتل على تركهما مع أنه لا يعتقد وجوبهما، فالمسلم المعتقد لوجوبهما أولى بالقتال عليهما.

ولمثل هذا قال أهل العلم: إن المرتد يقضي بعد إسلامه ما تركه في حال ردته، بخلاف الكافر الأصلي.

الوجه الثاني: أن قوله عليه الصلاة والسلام: "حتى يشهدوا" إلى آخره وإن كان غاية ففيه معنى الشرط، ولهذا قيل: إن حكم ما بعد الغاية مخالف لما قبلها، فصار كفُّ القتال عنهم مشروطا بالشهادتين والصلاة والزكاة، وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط، فإذا انتفى فعل الصلاة والزكاة انتفى كفُّ القتال والقتل، وصار التقدير إن صلوا وزكوا كُفَّ عنهم القتالُ، ويشهد لهذا قوله عزَّ وجلَّ {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11] {فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015