النفي موضع إضمار (أنْ)، وهذه الحروف العاطفة أبدال من (أنْ)، كما أن (حتى) واللام بدلان من (أنْ)، ألا ترى أن (أنْ) لا تظهر معهم كما لا تظهر معها، لا تقول: ما تأتيني فأنْ تُحدثَني، كما تقول: "ما كان زيدٌ لأن يفعلَ إذا أراد ليفعل، فإن قال قائل: إن هذه الحروف العاطفة هي الناصبة للفعل كما أن (أنْ ولن) ناصبان له، قيل له: لو كُنَّ مثلها للزم أن تدخل حروف العطف عليهن، كما يدخلان على (أن ولن)، فتقول: ما تأتيني فتُحدثني وتشتُمَني، كما تقول: يُعجبني أن تقومَ وأن تجلس، ولنْ يقوم ولن يذهبَ وامتناعُ دخول حرف العطف على هذه الحروف إذا انتصب الفعل بعدها دليلٌ على أنها ليست الناصبةُ للفعلِ، إذ كانت كذلك لدخلت حروف العطف عليها، ألا ترى أنَّ الواو في القَسَم لَمّا لم تكن حرفَ عطف، وكانت بدلاً من الباء الجارّة، دخلت حروف العطف عليها، وذلك قولُك: والله لأكرمنّك، ووالله لأعطينَّك، وكذلك (ثُمَّ) وسائرُ حروف العطف لا تمتنع من الدخول على واو القسم ولو كانت الفاء والواو التي ينتصب الفعل بعدها غير العاطفة لدخلها حروف العطف كما دخلت على واو القسم لَمّا لم تكن حرفَ عطف، وحُكِيَ أنَّ أبا عمر الجَرمي كان يذهب إلى أنّ الفاء وسائر حروف العطف هي الناصبة للفعل بمنزلة (أنْ)، وهذا القولُ يَفْسُدُ بهذه الحُجَجِ التي قَدَّمْنا هنا، والله أعلمُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015