فالذين أثبتوا سماع الأموات لكلام الأحياء استدلوا بأمور ظنوا أنها مطلقة مع أن فيها تقييداً في بعض دلالاتها استدلوا أولاً بقصة أصحاب القليب التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم بدر، وهي أن أصحاب القليب من المشركين بعدما دفنوا جاء النبي صلى الله عليه وسلم يخاطبهم فكان يقول: (إني وجدت ما وعدني ربي حقاً، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ فاستنكر الصحابة هذا الأمر وقالوا: أو يسمعون ما تقول؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم)، قالوا: فهذا دليل على أن الأموات يسمعون، فإذا كان المشركون يسمعون فالمؤمنون من باب أولى.
وسنبين أن هذه الدلالة مقيدة.
واستدلوا أيضاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب أصحاب أحد، وذكر أنهم أحياء، وذكر أنه ما من أحد يسلّم عليهم إلا ردوا عليه إلى يوم القيامة.
وكذلك مشروعية زيارة القبور والسلام عليها، قالوا: لو لم يكونوا يسمعون لما كان لزيارتهم معنى.
وأيضاً نداؤهم وخطابهم بالسلام عليكم، وأحياناً ينادون كما ورد في بعض ألفاظ الحديث بياء النداء: يا أصحاب القبور، أو يا أهل القبور، فهذا دليل على أن الأموات يسمعون، ولو لم يسمعوا لما شرع خطابهم، وقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم خطابهم فخاطبهم بنفسه وأمرنا بزيارتهم والسلام عليهم.
واستدلوا بعد ذلك بآثار منها قصة عمرو بن العاص رضي الله عنه؛ أنه حينما جاءت المنية أمر بألا يستعجل عنه الناس، وأن يبقوا عنده قدر ما تنحر الجزور، وقال: إني أستأنس بكم حتى أراجع ربي، وهو صحابي، والصحابة الذين سمعوا قصته لم ينكروا عليه.
قالوا: فهذا دليل على أنهم يسمعون وأنهم يستأنسون بمن حولهم من الأحياء.
مجمل هذه الأدلة دلت عند كثيرين من العلماء على أن الأموات يسمعون وأنهم يردون بعض الجواب ولا يردون كل الجواب.