قال الإمام الحسن بن علي البربهاري رحمه الله تعالى: [وكل شيء مما أوجب الله عليه الفناء يفنى إلا الجنة والنار، والعرش، والكرسي، والصور، والقلم، واللوح، ليس يفنى شيء من هذا أبداً، ثم يبعث الله الخلق على ما ماتوا عليه يوم القيامة، ويحاسبهم بما شاء فريق في الجنة وفريق في السعير، ويقول لسائر الخلق ممن لم يُخلق للبقاء: كونوا تراباً].
في هذا المقطع عدة مسائل: المسألة الأولى: فيما يتعلق بفناء المخلوقات ما عدا الأمور المذكورة، هذه مسألة تحتاج إلى بحث مستوفى، أرجو أن نتمكن من عرضه في الدرس القادم أو الذي بعده إن شاء الله؛ لأن المسألة طويلة وفيها وجوه كثيرة من الاستدلال وأقوال العلماء.
قوله: (ثم يبعث الله الخلق على ما ماتوا عليه يوم القيامة)، يعني على ما ماتوا عليه من أعمال، فيبعثهم الله عز وجل على حالهم التي كانوا عليها في الدنيا، مثل ما ذُكر من أن الحاج الذي يموت وهو محرم يبعث بإحرامه، وكذلك الشهيد يبعث وجرحه يثعب دماً إلى غيرهم.
(ويحاسبهم) الله عز وجل (بما شاء)، يعني على ما يشاء من وجوه الحساب، (فريق في الجنة وفريق في السعير)، ونحن نعرف أن أهل الجنة على نوعين كما ورد في النصوص: فريق في الجنة منذ وقت النشر والحساب، بمعنى أنهم يُعطون صحائفهم في اليمين من أول وهلة، وفريق آخر وهم أهل الكبائر، إذا لم يغفر الله لهم ابتداءً يعذبون على قدر أعمالهم ثم يخرجون من النار فهذا الفريق الذين يدخلون الجنة بعد تطهيرهم من الكبائر بالنار، ويخرجون من النار بأسباب كثيرة: أولها برحمة الله عز وجل لطوائف منهم، ثم بالشفاعات التي يهيئها الله لهم بشروطها وأعظمها شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر من أمته، وشفاعات أخرى.
وهؤلاء عند الإجمال يُعدّون من أهل الجنة، أما عند التفصيل فيقال إنهم يعذبون بالنار ثم يُخرجون إلى الجنة.
قوله: (ويقول لسائر الخلق ممن لم يُخلق للبقاء: كونوا تراباً)، يعني غير المكلفين، وهم غير الجن والإنس، فإنهم يصيرون إلى التراب إلا من يخلقهم الله عز وجل ممن كُلّف بأعمال أخرى كالملائكة وخدم أهل الجنة.