قال رحمه الله تعالى: [ومن زعم أنه يرى ربه في دار الدنيا فهو كافر بالله عز وجل.
والفكرة في الله تبارك وتعالى بدعة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الله، فإن الفكرة في الرب تقدح الشك في القلب)].
المقصود بالفكرة هو أن يسرح الإنسان بفكره وخيالاته إلى التفكر في كيفيات الغيب، والفكرة في الله عز وجل هي التفكر أو إعمال الذهن والعقل والقلب في التفكير في كيفيات ذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، فإن هذا هو منهج المتكلمين والفلاسفة بمعناهم الاصطلاحي البحت أو الخاص، لا بالمعنى المتوسع فيه الآن.
الفلاسفة الذين يتكلمون في الإلهيات بآرائهم هم خصوم الأنبياء في كل عصر، ومنهجهم يقوم على التفكر في ذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله بما لم يرد في النصوص؛ لأن التفكر قد يقصد به معنى سليم، وهو أن يتفكر الإنسان في حقوق الله عز وجل، وفي أسمائه وصفاته وإثبات الحقائق لله سبحانه، فهذا أمر مطلوب، ولا يتم فهم خطاب الله عز وجل وكلامه وخبره إلا بهذا التفكر.
لكن تفكر بما لا يتجاوز حدود العقل، وبما لا يتجاوز معاني النصوص المجملة التي تحت مدارك البشر، أما ما تجاوز مدارك البشر فهو ممنوع؛ لأنه خوض فيما لا يعلمه الناس، فمثلاً: إعمال الفكر في إثبات ما لم يثبت لله عز وجل الصفات التي ليس فيها كمال لاشك أنه من التفكر، ومن التفكر إمعان الفكر في محاولة التطلع إلى الكيفيات.
فالفكرة في الله -أي: التفكر في كيفية ذاته وأسمائه وصفاته- بدعة إلا ما يخطر على الإنسان رغماً عنه، فإن الخاطر إذا طرده الإنسان وتعوذ بالله من الشيطان الرجيم زال عنه، لكن القصد اتخاذ التفكر في ذات الله عز وجل وأسمائه وصفاته وأفعاله منهجاً، وكذلك أمور الغيب الأخرى.
أما منهج الفلاسفة والمتكلمين فيقوم على تقرير العقيدة على هذا الأساس، فهم يسرحون في الخيالات والأوهام ثم يقررون أوهامهم وخيالاتهم، ثم يجعلونها قواعد عقلية، فإذا جاء في القرآن ما يعارضها ردوا القرآن أو أولوه وإذا صح في السنة ما يعارض هذه الأمور ردوه أو أولوه.
قوله: (لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الله)) الحديث فيما أعلم ضعيف، لكن ربما يرقى بمجموع طرقه إلى درجة الحسن، وبعض أهل الحديث صححوا الحديث.