قال رحمه الله تعالى: [ولا يحل قتال السلطان والخروج عليه وإن جار، وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ أبي ذر الغفاري رضي الله عنه: (اصبر وإن كان عبداً حبشياً)، وقوله للأنصار: (اصبروا حتى تلقوني على الحوض)، وليس في السنة قتال السلطان فإن فيه فساد الدين الدنيا].
وهذه قاعدة عظيمة وهو قوله: (ليس في السنة قتال السلطان)، والمستقرئ لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أولاً، ثم لمنهج السلف الذي استقر عليه الأمر بعد الفتن التي حصلت في آخر الخلافة الراشدة إلى وقت فتنة ابن الأشعث وما وقع بين هذين العهدين من فتن بعد ذلك كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من المحققين، استقر مذهب السلف على أنه ليس في السنة قتال السلطان وإن جار.
والمقصود هنا السلطان المسلم؛ لأنه لا يتصور السلف أن يكون على المسلمين وال كافر، ولو حدث ذلك فلأهل الحل والعقد أن ينظروا في الأمر على قواعد الشرع.
فلو ابتلي المسلمون بسلطان كافر فليس معنى ذلك أن كل إنسان يعلن الخروج، فإن هذا معلق بدرء المفاسد وجلب المصالح ودرأ الفتنة التي تؤدي إلى ما هو أعظم، لكن ليس للكافر على المسلم ولاية، لا على قلبه ولا على أعماله إلا فيما يحقق المصالح المشتركة بين الناس.
الإنسان يحترم النظام حتى في ولاية الكافر؛ لأن احترام النظام إقامة لدين الناس ودنياهم، لكن ليس في قلب المسلم ولاء ولا اعتقاد بولاية الكافر أما السلطان المسلم حتى وإن كان ظالماً جائراً أو عنده شيء من الأثرة ونحو هذا فيجب ألا يقاتل.
قد يقول قائل: حدثت صور من قتال الأمراء والسلاطين من بعض المسلمين.
و صلى الله عليه وسلم أن هذه الصور قد قرر العلماء أنها زلات من أناس اجتهدوا ممن ينتسبون للسنة، ينتسبون بالسنة كما حدث من أهل الحرة، وكما حدث من الذين قاتلوا الحجاج، وكما حدث من فعل الشيعة مع الحسين واستنهاضهم له ضد الخلافة.
كل هذه الصور تعتبر اجتهاداً من أناس خالفهم غيرهم مخالفة صريحة واضحة من أئمة الدين الذين هم أكبر وأعلم وأفقه، فغاية ما يقال فيها إنها اجتهادات خاطئة من أناس إما لم تبلغهم النصوص وهو الغالب، أو تأولوا، ويغفر الله لنا ولهم، وليس هذا هو المنهج، ولذلك ذكر شيح الإسلام ابن تيمية أنه بعد فتنة ابن الأشعث وخروجه على الحجاج وتورط بعض الفقهاء معه ندموا كلهم وأعلنوا أنهم كانوا مخطئين، مثل الشعبي وسعيد بن جبير.
لكن نفترض أن هذا أمر حدث من هؤلاء الأئمة فأقول: إنه قد استقر عند السلف أنه خطأ، وأن الذين شاركوا فيه من أهل الفقه شاركوا عن تأول وأدركوا أنهم أخطئوا، ولعله من فضل الله ونعمته على أهل السنة أن أغلب الفقهاء الذين شاركوا في قتال الحجاج مع ابن الأشعث أعلن أنه كان مخطئاً في اجتهاده، فحسمت القضية على هذا الوجه.