والسلف كثيراً ما يذكرون في آخر كتبهم ما يسمى بمناهج أهل السنة وخصائصهم، أو ما يسمى بالقواعد التطبيقية لقضايا العقيدة، وكأنه يريد بذلك أن يشير إلى أن منهج المسلم في سلوكه وتعامله من ضمن العقيدة، وأن من حقيقة الاستمساك بالسنة أن يكون المسلم على الأخلاق الفاضلة بعيداً عن الأخلاق السيئة، فيكون مع العدل وضد الظلم، ومع الإحسان ضد الإساءة، أن يحب الفضائل ويكره الرذائل فهذا بالإجمال يدخل في أصول السنة، حتى وإن سماها الناس أخلاقيات، لأن الأخلاقيات هي الثمرة العملية لتطبيق السنة.
ولذلك نجد من أكثر ما يسبب الحرج على أهل السنة أن كثيراً من المنتسبين للسنة يكون تعاملهم مع الآخرين على غير السنة، وهذه إساءة إلى العقيدة نفسها؛ لأن أغلب الناس ليس عندهم مدارك يفرقون بها بين المعاني والأعمال، وإنما يقيسون أهل السنة بتصرفاتهم ومواقفهم تجاه الآخرين، وكثير من المنتسبين للسنة خاصة طلاب العلم المبتدئين وبعض الدعاة غير المتفقهين في الدين لا يهتمون باستقامة التعامل، ومن هنا يسيئون إساءة عظيمة إلى السنة وأهل السنة، ولو سلمت السنة الآن من هؤلاء لكانت استجابة الناس إلى السنة ودخولهم فيها أكثر مما هو حاصل بكثير.
فمن هنا ندرك أن أهل العلم حينما يضعون مثل هذه القواعد في آخر كتب العقيدة، يقصدون بذلك أنه لابد من المنهج العملي مع المنهج النظري، فنأخذ العقيدة كقضايا نظرية، ومن ناحية التطبيق لا بد من العمل بمقتضى السنة في تعامل الإنسان أولاً مع ربه عز وجل، ثم في موقفه من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن سنته، ثم موقفه من الآخرين ابتداء من الحقوق الخاصة كالوالدين والأقربين والجيران والضيوف وغيرهم، وأصحاب الحق العام كالولاة والعلماء وأهل الاعتبار والطاعة والمشورة، ثم مع المخالفين من المسلمين ومع المخالفين من الكفار.
فلا بد من مسلم يكون عنده منهج مميز واضح ظاهر يتمثل في سلوكه مع الآخرين، وهذا مما أخل به كثير من المنتسبين للسنة اليوم، ولذلك فأكثر الذين يرقبون أعمال المسلمين كبعض المفكرين والمثقفين يحسبون تصرفات بعض الذين ينتسبون للسلفية على السنة والجماعة، ولو قرأت مثلاً بعض الكتب الشهيرة التي تمثل موقف العقلانيين أو العصرانيين من السنة والجماعة لوجدت أنهم يحكمون على السنة والجماعة من خلال تصرفات بعض الذين ينتسبون للسلفية وهم يسيئون إليها.