قال رحمه الله تعالى: [فمن أقر بما في هذا الكتاب وآمن به، واتخذه إماماً، ولم يشك في حرف منه، ولم يجحد حرفاً واحداً؛ فهو صاحب سنة وجماعة كامل قد اكتملت فيه السنة، ومن جحد حرفاً مما في هذا الكتاب، أو شك في حرف منه، أو شك أو وقف فهو صاحب هوى].
هذا من الأمور الحقيقة التي تشكل عند البربهاري رحمه الله في ظاهر العبارة، وإن كان لها محامل صحيحة، ومع ذلك فالعبارة فيها إشكال ينبغي أن نتوقف عند هذا الإشكال.
يقول: (فمن أقر بما في هذا الكتاب)، الظاهر أنه يقصد الكتاب الذي بين أيدينا.
(وآمن به واتخذه إماماً)، هذا كله كلام جيد؛ لأنه يقصد أن هذا الكتاب عرض أصول السلف ومناهج السلف، ولا شك أن أصول السلف ومناهج السلف على العين والرأس، ولذلك درسناه ويدرسه غيرنا ويعتبر من كتب أهل السنة، فاتخاذه إماماً أمر حسن؛ لأنه ليس رأي شخص أو فرد، إنما هو منهج أهل السنة وأصولهم أجملها بقدر اجتهاده، لكن قوله بعد ذلك: (ولم يشك في حرف منه)، يبدو لي أنه خانته العبارة، أو عبّر بتعبير مجازي للحرف، وهذا جائز تسعه اللغة، فكأنه قصد بالحرف الأصل، وهذا يستعمل عند كثير من أهل العلم، فلا يقصد الحرف المعهود، لكن يقصد بالحرف الأصل، والمعنى: ومن لم يشك في أصل من الأصول القطعية التي وردت في هذا الكتاب، (ولم يجحد حرفاً)، يعني أصلاً من هذه الأصول (فهو صاحب سنة وجماعة كامل قد اكتملت فيه السنة).
أما إن قصد الحرف بمعناه الدقيق ففي هذا نظر، وهذه زلة، لكن أنا أستبعد هذا.
وقوله: (ومن جحد حرفاً مما في هذا الكتاب أو شك في حرف منه، أو شك أو وقف فهو صاحب هوى) والتوجيه في هذا كسابقه، يعني أنه يقصد بذلك أصلاً أو منهجاً أو قاعدة من القواعد التي سردها والتي هي محل اتفاق عند أهل السنة والجماعة.