قال رحمه الله تعالى: [وجاء رجل إلى الحسن فقال: أنا أناظرك في الدين فقال الحسن: أنا عرفت ديني، فإن ضل دينك فاذهب فاطلبه].
هذا هو الأصل، وهو النهي عن الجدال، وفتح باب الجدال يبقى استثناء، وهذا أدب الحسن البصري رحمه الله، وهو إمام السنة في ذلك الوقت، وهو من أكابر العلماء ومن أقدرهم على المناظرة، لكن يظهر لي أنه توسم فيمن سيناظر أنه من أهل الأهواء والبدع الذين أرادوا الاستظهار والتعالي والغرور، وإلا فكان الإمام الحسن يفتح صدره ويتسع صدره لمناظرة من يريد الحق.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [(وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً على باب حجرته يقول أحدهم: ألم يقل الله كذا، وقال الآخر: ألم يقل الله كذا، فخرج مغضباً فقال: أبهذا أمرتم أم بهذا بعثت إليكم؛ أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟)].
الحديث صحيح، ومفاده أن الأصل عدم المجادلة، ولذلك حينما أذن الله عز وجل بمجادلة أهل الكتاب كان الإذن بعد النهي: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت:46] فالنهي هو الأصل، والاستثناء مشروط بأن يكون ((بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)) وهي تعني استيفاء شروط الجدل التي سبق الكلام عنها في درس ماض، وهذا هو الذي تدل عليه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان ينهى عن الجدل والمراء في الدين؛ لأن قضايا الدين القطعية غيبية توقيفية، والجدل في الغالب ليس تقريراً، لأن التقرير لا يحتاج إلى جدل، واستشكال المسلم ثم سؤاله للعالم لا يعتبر جدلاً، لأن الجدل هو ما زاد عن مجرد السؤال والجواب، أما إذا اقتصر الأمر على سؤال ثم جواب من قبل عالم فلا بأس، لكن إذا قصد السائل المحاجة وأشعرك بأنه سيرد ما معك من الحق، وأنه مستعد أن يناقشك، فهو جدال.
والمعنى اللغوي للمجادلة هو: المماحكة والأخذ والرد أكثر من مرة، هذا هو أصل المجادلة، وهو الذي وردت النصوص بالنهي عنه.