قال رحمه الله تعالى: [وانظر إذا سمعت الرجل يذكر ابن أبي دؤاد وبشر المريسي أو ثمامة أو أبا الهذيل وهشام الفوطي أو واحداً من أتباعهم وأشياعهم، فاحذره فإنه صاحب بدعة، فإن هؤلاء كانوا على الردة، واترك هذا الرجل الذي ذكرهم بخير ومن ذكر منهم].
هذه قاعدة أيضاً في الحكم والتعامل مع رءوس أهل الأهواء الذين اشتهروا ببدعة أو ببدع، فلا ينبغي للمسلم أن يتعلق بهم أو يثني عليهم في جانب الدين، ولا ينبغي أيضاً أن نتساهل في إظهار هؤلاء الرءوس عند ناشئة المسلمين؛ لأنه يوجد عندهم من الخصال البشرية ما يعتبر إما من باب الفضائل مثل الكرم والحلم وغيرهما، كما عند ابن أبي دؤاد، وإما من باب العلم والذكاء كما عند ثمامة وبشر المريسي وأبي الهذيل وهشام الفوطي هؤلاء كلهم اشتهروا بخصال موجودة في عموم البشر بالذكاء والعبقرية والقدرة على النقاش، وقد تكون من باب رجاحة العقل والقدرة على الحجاج مع الفلاسفة أو مع الملاحدة، كل هذه موجودة عند بعضهم، لكن هذه خصال لا ينبغي أن تتخذ ذريعة للثناء عليهم فيتعلق بهم ناشئة المسلمين، ويفتنون بهم فإن من فتن بهم فتن بمذاهبهم، ولا شك أن الناشئ إذا أُعجب بإنسان تعلق بفكره وبعمله، وهو يشعر أو لا يشعر.
وأيضاً ربما يدافع عنه ويكون في قلبه ولاء له، ومن هنا صار التعلق برأس من رءوس البدعة قديماً وحديثاً من علامات الهوى والبدعة وأي إنسان تجده يثني على هؤلاء ويدافع عنهم أو أمثالهم قديماً وحديثاً، ويحاول إبراز فضائلهم دون أن يبين شرورهم، ويحاول أن يجعل منهم قدوة وأن يعتذر لهم، فهو رافع راية بدعة، كما يفعل كثير من الأدباء الآن وبعض الكُتّاب الإسلاميين والحداثيون وغيرهم، فهؤلاء الآن يعتبرون رافعي راية البدع وأهلها وتنبيش القبور، ومحاولة رد الناس إلى الإعجاب بهذه المذاهب والمناهج والأشخاص، وهذا كله خلاف السنة مخالفة صريحة، فلا ينبغي للمسلم فضلاً عن طالب علم أن يجاري هذا الاتجاه.
قد يقول قائل: لماذا لا نثني عليهم بما هم فيه؟ فنقول: نعم نثني عليهم عند اقتضاء الحاجة؛ لأن الناس لا تتعلق نفوسهم بالشيء الذي يشارك فيه هؤلاء غيرهم من عموم الناس، إنما تتعلق نفوس البشر بالشيء الذي خالفوا فيه، وهذه طبيعة فطرية ونزعة يحركها الشيطان في بني آدم، هذا أمر.
الأمر الآخر: فرق بين أن نتكلم عن سيرهم في التراجم مثلاً وعندما نتكلم عنهم في أمور عارضة أو في دروس أو في مناهج، فإن الناس لا مصلحة لهم من ذكر خصال يشترك فيها عموم البشر، في حين أن عليهم ضرراً ومفسدة في ذكر خصال هؤلاء دون التحذير منهم.
وفرق أيضاً بين الكلام الذي يخرج عند عامة الناس وبين الكلام الذي يكون بين خاصة أهل العلم أو يكون في بطون الكتب، فإنه لا مانع عندما أتكلم بكلام في السير أن أقول: ابن أبي دؤاد مثلاً رأس البدعة، داعية القول بخلق القرآن، آذى الإمام أحمد وأئمة الدين وآذى السلف، ومع ذلك فإنه عُرف بالكرم وعُرف بالحلم وسعة الصدر هذا أمر آخر.
فعند ذكر ما على الإنسان من خير وشر لا مانع أن تذكر جانب الفضائل، ولكن بشرط أمن الفتنة على الناس وبكلام لا يطير في الآفاق عند أناس لا يميّزون بين الحق والباطل، كأن يكون في صحف أو في كتب شهيرة أو في مناهج أو نحوها فهذا لا يجوز، لكن عند اقتضاء الحال أو عندما تتكلم عند أهل العلم أو تكتب كتاباً تريد أن تسطر فيه أخلاق الرجال عموماً بما فيها من خير أو شر، فلا مانع من هذا بضوابطه وشروطه.