حكم طاعة السلطان الذي يحارب الإسلام ويلاحق الدعاة

Q إذا ابتلي المسلمون بحاكم يحارب الإسلام ويعادي الدعاة ويلاحقهم، فهل تجب طاعته والدعاء له؟

صلى الله عليه وسلم محاربة الإسلام والمسلمين أمر نسبي قد يختلف عليه الناس، فما معنى محاربة الإسلام والمسلمين، هذه مسألة.

وعلى أي حال فعند تقرير قواعد الشرع لا ينظر للشذوذات، فالقواعد المتعلقة بولي الأمر والسلطان تنطبق على السلطان المسلم الذي في عنق الناس له بيعة، هذا هو الأصل، وإذا ابتلي المسلمون بسلطان غير مسلم فلابد أن يعالجوا أمرهم على قواعد الشرع، ونحن في عافية بحمد الله، ونسأل الله أن يعافينا دائماً، وأن ييسر لجميع المسلمين أمورهم، وأن يولي عليهم خيارهم.

فنحن بعافية في بلدنا هذا من مثل هذا الأمر لكن من ابتلي فينبغي أن يعالج الأمر على ضوء قواعد الشرع، وتصبح أموره أمور ضرورة يعالجونها بالحد الأدنى الذي يستطيعونه، ومع ذلك قواعد الشرع لا يمكن ترك جميعها إذا انتقض بعضها، فتبقى المصالح معتبرة وكذا درء المفاسد.

في القرن السابع الهجري انفلتت أحوال الأمة وضاعت الخلافة وقضي على سلطان المسلمين في كثير من بلاد المسلمين وغلب عليهم التتار، وكانوا في أول أمرهم جاءوا بالشرك والوثنية والفلسفة ضد الإسلام، وغلبت الباطنية وسيطرت الرافضة وصارت تلدغ المسلمين من كل وجه، فحصل على الناس حرج في دينهم، ومع ذلك ما فتئ العلماء يحلون مشكلات الناس بقدر ما يستطيعون.

فيبقى الحد الأدنى من ضرورة حفظ أمن الناس، ويبقى حد أدنى من الطاعة للوالي وإن كان أحياناً ليس عنده من الإسلام إلا الاسم، فاجتمع المسلمون على ولايات أصحابها من أفجر الفجار، وربما نقول: من أكفر الكفار ممن يدعون الإسلام من الباطنية وغيرهم، بل ممن لا يدعون الإسلام.

هذه بلوى يجب أن نسأل ربنا العافية، فإذا ابتلي بلد من بلاد المسلمين بسلطان لا يقيم حدود الله أو يحارب الإسلام، يجب أن يتقوا الله ما استطاعوا، ولابد أن يبقى عندهم حد أدنى من الطاعة لا للسلطان؛ لكن لأن الناس لابد من أن يجتمعوا ولو اجتماعاً رمزياً يحفظ الحد الأدنى من أموالهم وأعراضهم وحقوقهم، ولو انتهك الكثير منها، أي أننا نرجع إلى تطبيق قواعد الشرع.

لأن بعض الناس يعيش خيالات فيقول: إذا كان البلد المسلم فيه حاكم غير مسلم لا يقيم شعائر الله فمعناه لا سمع له ولا طاعة، فيفعل ما يشاء ويبيح للناس أن يفعلوا ما يشاءون، ونحن نقول: هذا غير صحيح، فإن المسلمين ابتلوا في بعض عصورهم بأن سيطر عليهم المحتلون من الكفار يهود ونصارى، ومع ذلك بقي العلماء يفتون الناس بالبقاء والاستمساك بمصالح معينة، لا لأنها طاعة للسلطان لكن لأنها الحد الأدنى الذي به تستقيم حياة الناس، فكانوا يصلون ويقيمون الجمعة والجماعات، وأحياناً يعملون أشياء ربما تكون من أعمال السلطان كالحسبة؛ لأنه لا يوجد سلطان، فيديرون أمورهم بقدر ما يستطيعون.

فالشاهد أن مثل هذا البلوى بحاكم غير مسلم وليس له بيعة لابد من الرجوع فيها إلى العلماء وإلى قواعد الشرع، ولا تترك للاجتهادات الفردية كل يقول فيها ما يشاء، فتكون الدنيا فوضى، والناس إذا نزعت من قلوبهم الطاعة انفلت الأمن عندهم، فلابد من قدر معين من النظام تقوم به المصالح وتدفع به المفاسد، والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015