قال رحمه الله تعالى: [والصلوات الخمس جائزة خلف من صليت خلفه إلا أن يكون جهمياً فإنه معطل، وإن صليت خلفه فأعد صلاتك، وإن كان إمامك يوم الجمعة جهمياً وهو سلطان فصل خلفه وأعد صلاتك، وإن كان إمامك من السلطان وغيره صاحب سنة فصل خلفه ولا تعد صلاتك].
هذه أيضاً قاعدة معروفة وظاهرة وإن كان مقتضاها لم يحدث في عصور السلف (القرون الثلاثة الفاضلة) في قلب البلاد الإسلامية في مصر والشام والحجاز لم يحدث أن كان من الجهمية إمام إلا المأمون ومن بعده، وهم الواثق والمعتصم، فهؤلاء فعلاً كانوا ينزعون إلى مذهب الجهمية، وصلى خلفهم الأئمة، وكان بعض الأئمة الذين يصلون خلفهم يعيد الصلاة وبعضهم لا يعيدها؛ لأنه يرى أن هؤلاء ليسوا جهمية بالأصل إنما غرر بهم وتأولوا، والراجح في مثل المأمون أنه تعاد الصلاة خلفه؛ لأنه جهمي خالص في مسألة القول بخلق القرآن، ومن جاءوا بعده ربما يكونون أخف؛ لأنهم أخذوا بسياسته ولا نعرف أنهم على هذا المذهب من كل وجه والله أعلم.
على أي حال الصلاة خلف الجهمي الخالص تعاد إذا كان إمام المسلمين الأكبر، أما إذا كان إماماً من الأئمة العاديين دون الإمام الأكبر فلا تجوز الصلاة خلفه أصلاً؛ لأنه هنا يقصد الإمام الأعظم فإن في ترك الصلاة خلفه مفسدة عظمى تؤدي إلى الإخلال بدين الناس وأمنهم ومصالحهم، فمن هنا استجاز السلف الصلاة خلف الإمام الأعظم وإن كان جهمياً؛ لكن إذا ثبت أنه جهمي خالص فتعاد الصلاة، وإذا لم يثبت فالأمر فيه خلاف.
وهذا ليس فيمن يقتدى به، بل حتى عوام الناس، إلا أن من يقتدى به ينبغي أن يكون أكثر حذراً وأكثر تطبيقاً للسنة.
والعامي الذي لا يلفت النظر تحركه ولا يؤدي إلى فتنة الأولى ألا يصلي خلف هؤلاء لكن هذه مسألة لا تنضبط، فالأولى أن تبقى القاعدة على ما عليه الأئمة والناس تبع لهم، وكذلك الرافضي تعاد الصلاة بعده.