قال رحمه الله تعالى: [واعلم أن الناس لم يبتدعوا بدعة قط حتى تركوا من السنة مثلها، فاحذر المحدثات من الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، والضلالة وأهلها في النار].
وعلى هذا فإن من أسباب البدعة ترك السنة، يعني: أن الذين وقعوا في البدعة قديماً وحديثاً نجد أن من أعظم أسباب وقوعهم في البدعة جهلهم بالسنة، وتركها عمداً أو جهلها بغير عمد، فالخوارج مثلاً هم أول من أظهر البدع ودعا إليها وقننها، وإذا تأملنا حالهم وجدنا أن وقوعهم في البدعة سببه الرئيس والأول هو جهلهم بالسنة؛ لأنهم لم يكن عندهم علم وليس عندهم قدرة على التفقه في الدين، لأن مداركهم فيها بساطة وفيها ضعف، ثم إنهم لم يتلقوا الدين، ومن تلقى منهم شيئاً قليلاً لم يتلقه على منهج سليم، فهم لم يأخذوا الدين عن الصحابة -أعني: الخوارج الأوائل- ولم يأخذوه من مصادره الأصلية بأسلوب منهجي علمي صحيح، بل أخذوا العلم على غير قواعده.
ثم إن بضاعتهم من العلم والنصوص قليلة جداً، فأدى بهم هذا إلى الجهل من حيث يشعرون أو لا يشعرون، فلما جهلوا ابتدعوا.
وهكذا من جاء بعدهم، كالسبئية الشيعة ومن تفرع عنهم، ثم القدرية، ثم الجهمية والمعتزلة إلى آخره، ولذلك نجد أن أهل السنة وصفوا رءوس البدع بأنهم جهلة، قالوا بأن الجهم جاهل، وقالوا بأن معبد الجهني عنده شيء من الاستعجال وعدم التثبت في العلم، وقالوا عن غيلان بأنه يجهل وهكذا.
فإن رءوس البدع كان من أعظم أسباب وقوعهم في البدعة أنهم يجهلون السنة، مع ما هم فيه من جرأة وما هم فيه من استعلاء وغرور، فيكون عند الواحد منهم شيء من التهور فيقع في البدعة لجهله بالسنة.
ثم من لوازم الوقوع في البدعة ما ذكره الشيخ: الوقوع في المحدثات، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، فأدى هذا إلى انتشار الضلالات بين أهل الأهواء، ويظنون أنهم على الحق، وهذا طريق إلى النار، نسأل الله السلامة.
ثم في الفقرة التالية سيتكلم عن نشأة البدع وأنها تبدأ صغاراً.