وأما كونه يضعف البدن كالاستفراغ فذاك حكمة أخرى، فصار فيهما كالأكل والحيض، وهو في ذلك أبلغ منهما، فكان إفساده الصوم أعظم من إفساد الأكل والحيض.
فنذكر حكمة الحيض وجريان ذلك على وفق القياس، فنقول: إن الشرع جاء بالعدل في كل شيء، والإسراف في العبادات من الجور الذي نهى عنه الشارع، وأمر بالاقتصاد في العبادات؛ ولهذا أمر بتعجيل الفطر وتأخير السحور، ونهى عن الوصال، وقال: «أفضل الصيام وأعدل الصيام صيام داود عليه السلام، كان يصوم يوما ويفطر يوما، ولا يفر إذا لاقى» (?) ، فالعدل في العبادات من أكبر مقاصد الشارع؛ ولهذا قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} الآية، فجعل تحريم الحلال من الاعتداء المخالف للعدل، وقال تعالى: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا وأخذهم الربا وقد نهوا عنه} ، فلما كانوا ظالمين عوقبوا بأن حرمت عليهم الطيبات؛ بخلاف الأمة الوسط العدل فإنه أحل لهم الطيبات وحرم عليهم الخبائث (?) .