و {نَسْتَعِينُ} [(5) سورة الفاتحة] بفتح النون في قراءة الجمع سوى الأعمش ويحيى بن وثاب فإنهما كسراها قالا: نِستِعين، وهي لغة بني أسد وربيعة وبني تميم وقيس، وما زالت قائمة عند بعض الجهات وبعض القبائل، وقدم الضمير إياك في الموضعين، وكرر للاهتمام والحصر، وإلا فالأصل: نعبدك ونستعينك، ولو قيل: إياك نعبد ونستعين صح التعبير، لكن كرر للاهتمام والحصر، قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [(5) سورة الفاتحة] أي لا نعبد إلا إياك، ولا نستعين ولا نتوكل إلا عليك، وهذا هو كمال الطاعة، يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "والدين كله يرجع إلى هذين المعنيين" يعني العبادة والاستعانة، وهذا كما قال بعض السلف: الفاتحة سر القرآن، وسرها هذه الكلمة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فالأول: تبرؤ من الشرك، والثاني: تبرؤ من الحول والقوة، وهذا المعنى جاء في القرآن في آياتٍ كثيرة من كتاب الله تعالى، كما قال تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [(123) سورة هود] وقال: {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} [(29) سورة الملك] ابن القيم -رحمه الله تعالى- كتاب عظيم، أقول: له كتاب عظيم في منازل إياك نعبد وإياك نستعين، في ثلاثة مجلدات اسمه معروف: مدارج السالكين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين، وعلى كلٍ من السلف من قال: الفاتحة سر القرآن، وسرها هذه الكلمة، وهذا خلافاً لما يقوله بعض الغلاة، ممن يعتني بالإشارة دون العبارة، فيقول: الفاتحة سر القرآن، وسرها البسملة، وسر البسملة الباء، وسر الباء في نقطتها، هم يهتمون بإشارة، ما يهتمون بعبارة هم، هذا موروث، مذكور عن بعضهم، بعض الصوفية من يهتم بالإشارة يقول: إن أسرار القرآن في الفاتحة، وأسرار الفاتحة في البسملة، وأسرار البسملة في الباء، وأسرار الباء في نقطتها، وعلى كلٍ هذا قول مخترع لا يدل عليه أي دليل عقلي أو نقلي، ولم يؤثر عن أحدٍ ممن يعتبر ...