الأمور فيه صعوبة، يعني إذا سئلت عن شخص قد تمدحه اليوم وتذمه غداً، إما أن يكون قد ظهر لك من أمره ما لم يظهر، أو يكون تعامله معك في هذا اليوم تغير، مع أن العدل مطلوب سواءً تعامل معك على وجه حسن ترضاه ويروق لك، أو خلاف ذلك، فنعتني بهذا ونهتم به، والإنسان لا يأتي يوم القيامة مفلساً، يجمع الحسنات من الصيام والصلاة والزكاة والبر وغيرها وطلب العلم والتعليم ثم بعد ذلك يأتي يوزع هذه الحسنات على غيره، فيكون مفلساً، كما جاء في الحديث الصحيح، يحرص على أن يحافظ على ما اكتسبه، والوزن مثل ما ذكرنا كما يكون في المحسوسات يكون أيضاً في المعنويات، فلا بد من العدل، ولا بد من القسط.
{وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ} [(10) سورة الرحمن] وضعها: "أثبتها" وثبتها وأرساها لئلا تميد ولا تضطرب؛ لأنها لو مادت أو اضطربت ما تم العيش عليها براحة، والأرض وضعها: أثبتها، وبالجبال أرساها، أرساها بالجبال الرواسي لتثبت، فلا تميد بالخلق بالأنام الذين على ظهرها من الجن والإنس وغيرهم، ولو مادت واضطربت وحصل لها ذلك لأصيب الناس بالذعر، كما هو شأن الهزات الأرضية والزلازل -نسأل الله السلامة والعافية-، والحكمة من وجود هذه الجبال هو إرساء الأرض وتثبيتها من أجل أن تثبت لهؤلاء الأنام، لهؤلاء الخلق الذين جعلت لهم كالمهد، فيلازمونها كما يلازم الصبي مهده، ولذا القضاء على هذه الجبال لا شك أنه مخالف للحكمة الإلهية من وجودها، ونرى الأمر يزداد في هذه الأيام في إزالة الجبال من أجل .. ، لا شك أنه من أجل الانتفاع بهذه الأرض، لكن هل المقصود بالانتفاع لذاته أو للكسب المادي؟ لا شك أن الذين يفعلون هذا يريدون الكسب، وكونهم يزيلون هذه الجبال التي حكمتها إرساء الأرض وتثبيت الأرض، يقولون: نضع مكان هذه الجبال مشاريع عملاقة، عمارات طويلة أطول من هذا الجبل، نقول: مهما كانت لن تكون بمنزلة هذا الجبل في إرساء الأرض، نعم إذا دعت مصلحة عامة صار هذا الجبل في طريق لا بد منه، لا بد من سلوكه فهذا له شأن، لكن تبقى الجبال من أجل إرساء الأرض وتثبيتها.