أورد العلماء هذا الإشكال، وقالوا: إن الوحي محمود والجرس مذموم فكيف يشبه المحمود بالمذموم؟ وأجابوا عن ذلك: بأن الجرس له أكثر من جهة، ولا يلزم مطابقة المشبه للمشبه به من كل وجه، الجرس له صوت متدارك متتابع، وله طنين مطرب، فمن حيث تتابعه وتداركه يشبه به الوحي، ومن حيث طنينه وإطرابه يمنع، والتشبيه لا يقتضي من كل وجه كما في أول زمرة تدخل الجنة على صورة البدر، صورة القمر ليلة البدر هل هذا التشبيه مطابق؟ البدر له عينان وله فم وله أنف وله .. ؟ لا، ليس له شيء، فالتشبيه من وجه دون وجه، ومثل هذا قلنا في تشبيه السجود على اليدين ببروك البعير، يعني أنه مشبه له من وجه دون وجه، فهو من حيث النزول بقوة بحيث يثير الغبار، ويفرق الحصا يشبه بروك البعير، وأما مجرد تقديم اليدين ليس فيه شبه من وجه آخر من الوجه المحذور؛ لأن المحذور في الصلاة أن ينزل الإنسان بقوة، يعني لو نزل على ركبتيه بقوة؛ لأن بعض الناس ينزل على ركبتيه، يقول: أنا متبع، ولا أبرك بروك البعير، أنا أنزل على ركبتي، فتجد بعض الناس يتخلخل البلاط من ركبتيه، نقول: أنت نزلت نزول الحمار، أشد من البعير؛ لأن المحظور في المسألة النزول بقوة، الصلاة بطمأنينة ورفق، فمجرد وضع اليدين على الأرض هذا ليس هو بروك البعير، كما أن وضع الركبتين مجرد وضع على الأرض ليس بروك الحمار، وفي الحديث الصحيح في البخاري وغيره: "فبرك عمر بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- على ركبتيه" هل نقول: إن البروك هذا بروك بعير؟ نعم مشبه لبروك البعير لأنه نزل بقوة، لكن هذا ليس في الصلاة؛ لشدة الأمر الذي يريد أن يعرضه على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلا شك أنه التشبيه لا يقتضي المشابهة من كل وجه.