فأمر بتدبر الكتاب كله) (?).
والوجهان - كما ذكرهما الشيخ محمد رحمه الله - نعلمهما من جهة المعنى , فنعلم معانيها ونفهمها ونتدبرها ونعرف ربنا بها ونعرف مراده من هذه الأخبار , ونعرف مراده من الإخبار عن اليوم الآخر , ولكن لا نعلمها من جهة حقائقها وكيفياتها , فلا يلزم من العلم بمعنى الشيء إجمالا الإحاطة به.
وهذا كثير , ولعله يكون حتى في المحسوسات فالشمس نعلمها ونعرفها ويراها الناس , لكن هل يحيط الناس بها؟ وهل يحيط الناس بحقيقتها وما هي عليه كما خلقها الله؟ قد يعرفون أشياء لكن هل يعرفون حقيقة الشمس على ما هي عليه كما خلقها الله - سبحانه وتعالى -؟
والشيخ - رحمه الله - في التدمرية (?) ضرب مثلًا للعجز عن معرفة الكيفية بالروح؛ فهذه الروح التي في الناس وبها حياتهم ولها شأن وصفات وهي معروفة , ومع ذلك لا يدرك الناس كنهها أبدًا , والعقول عاجزة عن تكييفها , فإذا كانت العقول عاجزة عن تكييف الروح فهي عن تكييف ذات الرب وصفاته أعجز.
وذكر شيخ الإسلام في القاعدة الخامسة الدليل على الوجه الأول , وهو نفس ما ذكره الشيخ محمد فذكر آيات التدبر: " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " [محمد: 24]، وقوله تعالى: " أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا " [النساء: 82]، وقوله تعالى: " أفلم يدبروا القول " [المؤمنون: 68]، وقوله تعالى: " كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته " [ص: 29]، ثم قال: (فأمر بتدبر الكتاب كله) (?).